الفتنة في عهد الإمام علي رضي الله عنه 3
ويضيف الدكتور الصلابي:
ـ انعقد إجماع أهل السنة والجماعة على أن عليًا رضي الله عنه كان متعينًا للخلافة بعد عثمان رضي الله عنه لبيعة المهاجرين والأنصار له، لما رأوا لفضله على من بقى من الصحابة، وأنه أقدمهم إسلامًا، وأوفرهم علمًا، وأقربهم بالنبي صلى الله عليه وسلم نسبًا، وأشجعهم نفسًا وأحبهم إلى الله ورسوله، وأكثرهم مناقب وأفضلهم سوابق، وأرفعهم درجة وأشرفهم منزلة، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم هديًا وسمتًا، فكان رضي الله عنه متعينًا للخلافة دون غيره، وقد قام من بقى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعقد البيعة له بالخلافة بالإجماع، فكان حينئذ إمامًا حقًا وجب على سائر الناس طاعته وحرم الخروج عليه ومخالته، وقد نقل الإجماع على خلافته كثير من أهل العلم منهم:
1- نقل محمد بن سعد: بويع لعلي بن أبي طالب رحمه الله بالمدينة الغد من يوم قتل عثمان بالخلافة، بايعه طلحة والزبير، وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعمار بن ياسر، وأسامة بن زيد، وسهل بن حنيف، وأبو أيوب الأنصارى، ومحمد بن مسلمة، وزيد بن ثابت، وخزيمة بن ثابت وجميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
2 ـ وقال أبو الحسن الأشعرى: ونثبت إمامة على بعد عثمان، رضي الله عنه، بعقد من عقد له من الصحابة من أهل الحل والعقد لأنه لم يدع أحد من أهل الشورى غيره في وقته، وقد اجتمع على فضله وعدله.
4- وقال أبو نعيم الأصبهاني: سلم من بقى من العشرة الأمر لعلي رضي الله عنه ولم ينكر أنه من أكمل الأمة ذكرًا وأرفعهم قدرًا، لقديم سابقته وتقدمه في الفضل والعلم، وشهوده المشاهد الكريمة، يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، ويحبه المؤمنون ويبغضه المنافقون.
5- وقال أبو منصور البغدادي:أجمع أهل الحق والعدل على صحة إمامة على رضي الله عنه وقت انتصابه لها بعد قتل عثمان رضي الله عنه.
6- وقال الزهرى: وكان قد وفى بعهد عثمان حتى قتل، وكان أفضل من بقى من الصحابة، فلم يكن أحد أحق بالخلافة منه، ثم لم يستبد بها مع كونه أحق الناس بها حتى جرت له بيعة، وبايعه مع سائر الناس من بقى من أصحاب الشورى
7- وقال عبد الله الجوينى: وأما عمر وعثمان وعلي- رضوان الله عليهم – فسبيل إثبات إمامتهم وإجماعهم لشرائط الإمامة كسبيل إثبات إمامة أبي بكر، ومرجع كل قاطع في الإمامة إلى الخبر المتواتر والإجماع..ولا اكثرات بقول من يقول: لم يحصل إجماع على إمامة علي رضي الله عنه، فإن الإمامة لم تجحد له وإنما هاجت الفتن لأمور أخر.
وقد اعترض بعض الناس على الإجماع على خلافة على رضي الله عنه من وجوه:
1- تخلف عنه ( في رواية أخرى ) من الصحابة جماعة منهم سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة، وابن عمر وأسامة بن زيد وسواهم من نظرائهم.
2- إنما بايعوه على أن يقتل قتلة عثمان.
3- أن أهل الشام؛ معاوية ومن معه لم يبايعوه بل قاتلوه.
وهذه الاعتراضات لا تأثير لها على الإجماع المذكور، ولا توجب معارضته وذلك أنها مردودة من وجوه:
الوجه الأول:
أن دعوى أن جماعة من الصحابة تخلفوا عن بيعته دعوة غير صحيحة إذ أن بيعته لم يتخلف أحد عنها، وأما نصرته فتخلف عنها قوم منهم من ذُكر لأنها كانت مسألة اجتهادية، فاجتهد كل واحد وأعمل نظره .
أما سعد بن أبي وقاص فقد نقل بيعته ابن سعد، وابن حبان، والذهبي وغيرهم، وكذلك البقية قد بايعوا كما ذكرنا الإجماع في ذلك فيمن حضر من الصحابة في المدينة.
الوجه الثاني:
أن عقد الخلافة ونصب إمام واجب لابد منه، ووقف ذلك على حضور جميع الأمة واتفاقهم مستحيل متعذر.
الوجه الثالث:
أن الإجماع حصل على بيعة أبي بكر بمبايعة الفاروق وأبي عبيدة ومن حضرهم من الأنصار مع غيبة على وعثمان وغيرهما من الصحابة، وكذلك حصل الإجماع على خلافة على بمبايعة سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأسامة بن زيد وعمار ومن حضرهم من البدريين وغيرهم من الصحابة، ولا يضر هذا الإجماع من غاب عن البيعة أو لم يبايع من غيرهم رضي الله عنهم جميعًا.
قال الحسن البصرى: والله ما كانت بيعة على إلا كبيعة أبي بكر وعمر رضي الله عنهم.
الوجه الرابع:
دعوى أنه إنما بويع على أن يقتل قتلة عثمان: هذا لا يصح في شرط البيعة وإنما يبايعونه على الحكم بالحق، وهو أن يحضر الطالب للدم، ويحضر المطلوب وتقع الدعوى، ويكون الجواب، وتقوم البينة ويقع الحكم بعد ذلك.
الوجه الخامس:
أن معاوية – رضي الله عنه – لم يقاتل عليًا على الخلافة ولم ينكر إمامته وإنما كان يقاتل من أجل إقامة الحد الشرعي على الذين اشتركوا في قتل عثمان مع ظنه أنه مصيب في اجتهاده ولكنه كان مخطئا في اجتهاده ذلك، فله أجر الاجتهاد فقط وقد ثبت بالروايات الصحيحة أن خلافه مع على – رضي الله عنه – كان في قتل قتلة عثمان ولم ينازعه في الخلافة.
ولقد ذكر هذاالذهبي عن الزهري قوله:
ـ لما بلغ معاوية قتل طلحة والزبير، وظهور علي، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميراً غير خليفة.
أخرج الدِيَنَوري وابن عساكر عن كُمَيل بن زياد قال: خرجت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما أشرف على الجبَّان التفت إلى المقبرة فقال:
ـ يا أهل القبور، يا أهل البِلى، يا أهل الوحشة: ما الخبر عندكم؟ فإن الخبر عندنا قد قُسمت الأموال، وأُيتمت الأولاد، واستُبدل بالأزواج، فهذا الخبر عندنا؛ فما الخبر عندكم؟.
ثم التفت إليَّ فقال:
ـ يا كُمَيل لو أُذن لهم في الجواب لقالوا: إنَّ خيرالزاد القتوى. ثم بكى وقال: يا كميل، القبر صندوق العمل، وعند الموت يأتيك الخبر.